حفظ اللسان



قال سليمان بن داوود: إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب‏.‏ 

 

قال عبد الله بن مسعود‏:‏ والله الذي لا إله إلا هو ما شيءٍ أحوج إلى طول سجن من لسان.‏ 

 

قال طاووس‏:‏ لساني سبع إن أرسلته أكلني‏.‏ 

 

قال وهب بن منبه‏:‏ في كمة آل داوود حق على العاقل أن يكون عارفاً بزمانه، حافظاً للسانه، مقبلاً على شأنه‏.‏ 

 

قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله‏:‏ من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل‏.‏ 

 

قال مسلم بن يسار‏:‏ إياكم والمراء فإنّه ساعة جهل العالم وعندها يبتغي الشيطان زلته‏.‏ 

 

قال لقمان لابنه‏:‏ يا بني لا تجادل العلماء فيمقتوك. 

 

قال بلال بن سعد‏:‏ إذا رأيت الرجل لجوجاً ممارياً معجباً برأيه فقد تمت خسارته‏.‏ 

 

قال ابن أبي ليلى‏:‏ لا أماري صاحبي فإمّا أن أكذبه وإمّا أن أغضبه‏.‏ 

 

قال عمر رضي الله عنه البر شيء هين وجه طليق وكلام لين‏.‏ 

 

قال بعض الحكماء‏:‏ الكلام اللين يغسل الضغائن المستكنة في الجوارح‏.‏

 

قال مالك بن دينار‏:‏ الصدق والكذب يعتركان في القلب حتّى يخرج أحدهما صاحبه.


ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن اللسان قوله: (ومن كانَ يؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيراً أو ليصمُتْ)، وقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في أمرٍ أو حُكمٍ: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) يدلّ على أنّ هذه الخصال من خصال الإيمان، وأنّ هذه الأعمال تزيد إيمان المرء أو تنقصه، وفي هذا الحديث أمر الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- المسلم أن يقول الخير في سائر كلامه، فإن لم يكن يحوز خيراً في أمره فإنّ الخير له أن يصمت، وفي هذا دلالة على أنّ سائر كلام الإنسان لا يمكن أن يكون خيراً، وسوى ذلك في آنٍ واحد، بل إمّا أن يكون الكلام خيراً؛ فأمر النبيّ بإطلاقه، أو أنّه عدا ذلك؛ فأمر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حينها أن يصمت عنه، وقد سأل معاذ -رضي الله عنه- رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن المؤاخذة باللسان، فأجابه: (ثكلتك أمك يا مُعاذٍ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلّا حصائد ألسنتهم).


وقد اختلف العلماء في ما إن كان كلّ ما نطق الإنسان قد كُتب في صحيفته، أم إنّه لا يُكتب عنه إلّا ما فيه ثواب أو عقاب، فقال ابن عبّاس رضي الله عنه: (إنّ كلّ ما نطق ابن آدم كُتب في صحُفه حتّى حركاته وسكناتُه، حتى إذا جاء يوم الخميس رُفع كل ّما كتب عنه فأُخذ منه ما فيه عقاب أو ثواب، ثمّ طُرح ما خلا ذلك)، وهذا تفسير قول الله تعالى: (يَمحُو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتابِ)، ولو أنّ الإنسان لم يكن مؤاخذ بما ليس فيه حُرمة من القول، إلّا أنّه نادم على الوقت الذي ضاع هباءً دون فائدة، وتلك عقوبة بحدّ ذاتها، وفي المقابل فلا بدّ أن يتذكّر المسلم أنّ ليس كلّ الصمت محمود، بل إنّ الكلام الذي يرضاه الله -تعالى- خيرٌ من الصمت، فقد قال بعض السلف: (يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره، فكلّ ساعةٍ لم يذكر الله فيها تتقطع نفسه عليها حسرات)، وقال أحد الصالحين: (إنّما الكلام أربعة: أن تذكر الله، وتقرأ القرآن، وتسأل عن علم فتخبر به، أو تكلّم فيما يعنيك من أمر دنياك)، فكانت هذه الأوجه التي تستحقّ الكلام فيها وإلّا فلا.

 

فوائد حفظ اللسان إذا عمل المسلم بوصيّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فأطلق لسانه في ذكر الله، والأمر بالمعروف، وطاعة الله عموماً، وكفّه عن الخبيث والفاحش من الكلام؛ فإنّه سيجني العديد من الفوائد التي يفرح بها في الدنيا والآخرة، منها:

 

حفظ اللسان يعدّ سبباً لاستقامة الإيمان، وأساساً لصلاح القلب، وسائر الأعضاء، ففي هذا قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (لا يَسْتَقِيمُ إِيمانُ عبدٍ حتى يَسْتَقِيمَ قلبُهُ، ولا يَسْتَقِيمُ قلبُهُ حتى يَسْتَقِيمَ لسانُهُ).
 

حفظ اللسان دليل على حُسن إسلام المرء، وحسن سيرته، فقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ تركَه ما لا يَعنيه).

حفظ اللسان سبب لعلوّ الدرجات، ودخول أعلى الجنان في الآخرة، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ في الجنَّةِ غُرَفاً يُرَى ظاهرُها من باطنِها وباطنُها من ظاهرِها، فقال أبو مالكٍ الأشعريُّ: لمن هي يا رسولَ اللهِ؟ قال: لمن أطاب الكلامَ، وأطعم الطَّعامَ، وبات قائماً والنَّاسُ نِيامٌ).
 

حفظ اللسان سبب لتحقيق رضا الله تعالى، ففي الحديث السّابق ذكره: (إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ، لا يُلقي لها بالًا، يرفعُه اللهُ بها درجاتٍ).